تعج شبكة الإنترنت بالمعلومات التي تُقسَّم إلى فقرات قصيرة؛ أو قوائم ذات أرقام محددة تسهل مطالعتها.
لكن لماذا نرى أن هذا الشكل من تقسيم المعلومات جذابٌ للغاية؟ كلوديا هاموند تستكشف الحيل الذهنية الماكرة التي تقف وراء الاهتمام بالموضوعات المكتوبة في صورة قوائم.
1 – علمنا القاطع بطبيعة ما نتلقاه من معلومات
يبدو تصميم الموضوعات المكتوبة على شكل قوائم مألوفا بالنسبة إلينا، سواء كان الموضوع الذي نقرأه يتعلق مثلا بـ “10 سمات تجعل جسدك مثيرا للإشمئزاز” أو بـ “أعظم 100 عازف غيتار على مر العصور”.
فتلك الموضوعات تأخذ شكل قائمة ذات أرقام مرتبة، ويمر المرء بنظره تدريجيا من أعلى إلى أسفل؛ مُنتقلاً من نقطة ما ليتعرف على تلك التي تليها.
وتسمح لنا إمكانية توقع ما سيلي، أو التكهن بطبيعته، بأن نبلور ما يسميه علماء النفس “المخطط”، وهو عبارة عن “خرائط ذهنية” نبلورها اعتمادا على خبراتنا المتراكمة، وتعطينا فكرة عما يمكن أن نتوقعه.
كما تسمح لنا هذه “الاختصارات الذهنية” بفهم المعلومات واستيعابها على نحو أيسر.
2 – كراهيتنا لإهدار الفرص
من العسير مقاومة إغراء النقر على روابط الإنترنت الخاصة بالموضوعات المنشورة على هيئة قوائم.
فالموضوع موجود بالفعل، والآن صرت أنت على علم بذلك، ما يعطي انطباعا كما لو كنت قد حُزْتَ بحق المعلومات الواردة فيه.
لذا فإن إهدارك فرصة الإطلاع عليه، بالإحجام عن النقر على الرابط الخاص به، يعني أنك تفقد شيئا كان في متناول يدك.
ويمكننا هنا الإشارة إلى ما كشف عنه علماء نفس مثل دانييل كانامْن وزملاؤه، عبر سنوات من الدراسات التي أجروها بشأن ما يُعرف بـ”تجنب الخسارة”، وهو مفهوم يشير إلى أن الناس عادة ما تنزع إلى تجنب الخسائر أكثر من نزوعها للسعي للحصول على المكاسب.
فقد أفادت دراسات كانامْن وزملائه بأننا نكره خسارة شيء ما نحوزه بالفعل.
ومن هذا المنظور، يبدو في بعض الأحيان أن النقر على رابط موضوع ما على الإنترنت أيسر علينا من التغلب على ذاك الشعور الطفيف بالخسارة، الذي سيراودنا إذا قررنا عدم إلقاء نظرة عليه.
3- هذه الموضوعات تبدو أقل إجهادا للعقل
تتطلب مطالعتنا لموضوعات منشورة على شبكة الإنترنت أن نكون قادرين على أداء العديد من المهام في وقت واحد.
فخلال انهماكنا في القراءة، نتخذ قرارات تتعلق بما إذا كنا سنضغط على الروابط المرفقة بالموضوع من عدمه، أو بالوقت الذي سنحرك فيه فأرة الكمبيوتر، أو بالموضع الذي سنختاره على شاشة الكمبيوتر لكي نعرض فيه صفحة الموضوع الذي نطالعه.
ناهيك عن تعاملنا مع النوافذ والإشعارات المتعددة التي تقفز أمام أعيننا بين الحين والآخر؛ لإعلامنا بتلقي رسالة نصية أو رسالة بريد إليكتروني.
وقد خلص باحثون بجامعة “آلباني ستيت” الحكومية في مدينة نيويورك الأمريكية إلى أن ذلك قد يؤدي إلى أن يساور المرء شعور مبهم بالتشوش خلال تصفحه للإنترنت.
لكن ربما من شأن نشر الموضوعات في صورة قوائم، إعادة الأمر برمته ليبدو تحت السيطرة على نحو أكبر.
4 – حبنا للاعتقاد بأننا مشغولون بقدر يحول دون مطالعتنا لأي شئ آخر
من السهل أن يسود اعتقاد بأننا -في هذه الأيام- أكثر انشغالا مما كان عليه أقراننا في الماضي.
لكن هذا الاعتقاد ليس صحيحا تماما إذا ما نظرنا إلى الدراسات التي تناولت كيفية استغلال الإنسان للوقت المتاح له على مر العقود.
ففي عام 1887 كان الفيلسوف والمفكر الألماني نيتشه يجأر بالشكوى من الأمر نفسه قائلا: “المرء (لم يعد) يفكر سوى والساعة في إحدى يديه، وحتى وهو يتناول وجبة الغداء، يعكف على مطالعة آخر أخبار سوق المال.”
وإذا ما أخذنا الولايات المتحدة مثالا في هذا الشأن، فسنجد أن السنوات الخمسين الماضية، شهدت استخدام مجموعة تتألف من خمسة مقاييس مختلفة للوقت، وهو ما يشير إلى أن وقت الفراغ المتاح للرجل الأمريكي العادي في الوقت الراهن زاد بما يتراوح ما بين ست إلى تسع ساعات أسبوعيا، عما كان عليه الحال قبل خمسة عقود.
رغم ذلك، فإن ما يمكن أن نسميه “الانفجار المعلوماتي”، يعني أن ثمة عددا هائلا من مصادر الأخبار تتنافس لنيل اهتمامنا، وهو ما يعطينا شعورا بأنه لن يكون بوسعنا قط مواكبة ذلك.
وهنا، تبدو الموضوعات التي تُكتب على شكل قوائم ذات أرقام محددة أقل عبئا على الذهن مقارنة بالمقالات والموضوعات الأكثر صعوبة، والتي يغلب عليها الطابع السردي.
5 – قراءة الموضوعات بسرعة بحثا عن معلومات بعينها
تفيدنا كتابة الموضوعات على شكل قوائم عندما نكون بصدد تقديم حقائق ومعلومات قصيرة، ومنفصلة عن بعضها البعض. وذلك على غرار “التطورات العشر الأكثر أهمية التي تحققت بفضل الجعة” مثلا.
كما أن مثل هذه الموضوعات مفيدة فيما يتعلق بتقديم النصائح العملية، مثل تقديم التعليمات الخاصة بإصلاح “غلاية الماء”، نظرا إلى أنه سيكون بمقدورك في هذه الحالة مطالعة ما هو مكتوب على الشاشة بأقصى سرعة ممكنة، بهدف الوصول إلى الفقرة التي تلائم احتياجاتك.
ولكن حتى مع ذلك، فإن لهذه الميزة حدودها. إذ تشير الدراسات إلى أنه إذا كانت كل نقطة من نقاط الموضوع مرتبطة بتلك التي تليها، فإن القراءة السريعة المتعجلة الرامية للوصول إلى نقطة بعينها، قد تؤدي إلى أن يفقد المرء القدرة على متابعة التسلسل السردي، ما يقلص قدرته على الفهم.
في الوقت ذاته، كشفت إحدى الدراسات عن أنه من المحتمل أن يزيد عدد العناوين الفرعية كثيرا عما هو مفترض.
والموضوعات المنشورة على شكل قوائم، تتضمن بطبيعة الحال نماذج تدل على الإفراط في هذا الأمر.
وقد أجرى باحثون في جامعة واشنطن تجربة في هذا الصدد، وزعوا على طلابهم في إطارها مقالاتٍ بشأن التهاب المفاصل؛ تتباين في عدد العناوين الفرعية التي يتضمنها كل منها.
وبينما خلصت التجربة إلى أنه كان يسهل على الطلاب فهم المقالات إذا ما تضمنت عددا معينا من العناوين الفرعية، فإنها أشارت إلى أن كثرة تلك العناوين على نحو مفرط، يؤدي إلى تراجع القدرة على الفهم.
وبالنسبة إلى المقالات المنشورة على الإنترنت، فإن وضع عنوان فرعي لكل 200 كلمة يبدو مثاليا.
6 – علمنا المسبق دائما بالقدر المتبقي منها
يميل الكتاب والمحررون إلى افتراض أن من يطالع موضوعا على الإنترنت، يحتاج إلى وجود المزيد من العناوين الفرعية للحيلولة دون أن يفقد قدرته على تحديد النقطة التي يطالعها في الموضوع، وكذلك لتقسيم فقرات النص.
وذلك لأن تصفح المرء لمثل هذه الموضوعات الطويلة، صعودا وهبوطا، ومروره بالعديد من الصفحات غير المرقمة، قد يكون أكثر إرباكا من انتقاله بين صفحات كتاب ورقي ما.
ويمكن القول إن بعض الموضوعات المكتوبة على شكل قوائم، والمنشورة على الإنترنت، تحاول استغلال هذا الأمر حتى حدوده القصوى، إذ تتألف من عناوين مرقمة لا أكثر.
وهكذا، فمهما كانت التفاصيل التي تتضمنها هذه الموضوعات، فإن الأرقام التي تحملها العناوين تضمن أن يعرف من يطالع الموضوع موقعه في النص بالتحديد.
وهنا يكمن اختلاف صارخ بين تلك الموضوعات ونظيراتها ذات الطابع التقليدي: فعند قراءة المرء مقالا كُتب بالنمط التقليدي، لا يمكنه توقع كم عدد المعلومات الجديدة التي لا تزال كامنة في ثنايا السطور التي لم يطالعها بعد، حتى وإن كان يعلم بالتقريب طول المقال بوجه عام.
وهكذا، فمع قائمة مرقمة من الفقرات والعناوين، بوسع المرء أن يعرف دائما موقعه بالتحديد في ذلك النص.
7 – متعة محاولة تخمين محتويات القائمة
من العسير على المرء أن يقاوم محاولة توقع محتويات مقال ما، بمجرد أن يعلم أن هذا المقال قد كُتب على شكل قائمة.
الأمر هنا يبدو بمثابة لعبة؛ من قبيل أن تخمن كم نوع حلوى تستطيع ذكره من بين أفضل 10 أنواع كانت سائدة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي؟
الأفضل من ذلك، أن الأمر لا يتعلق باختبار مباشر، يمكن أن تتوزع إجابات المرء عليه ما بين إجابات صحيحة وأخرى خاطئة، بل إنه لعبة تمتزج فيها المعرفة والحظ، نظرا لأن محتويات القائمة تعتمد في أغلب الأحيان على أحكام شخصية وذاتية الطابع حددها شخص واحد، هو كاتب الموضوع. ويشكل ذلك أفضل أنواع الألعاب.
وتظهر دراسات أجراها علماء الأعصاب أنه عندما يصل احتمال الفوز لنسبة 50 في المئة، يكافئ الدماغ صاحبه بإفراز كميات أكثر من مادة الدوبامين.
وفي كل الأحوال، ليس بوسعك أن تعلم ما إذا كنت قد فزت أم لا حتى تنقر الرابط الخاص بالموضوع، وتطالع القائمة الواردة فيه.
8 – حبنا لأن نُثبت أننا على صواب
تكمن روعة الموضوعات المكتوبة على شكل قوائم في أنها تتيح للمرء فرصة اتخاذ قرارات سريعة بشأن النقاط التي يريد الاهتمام بها، من بين تلك المدرجة فيها.
وهنا يمكن الإشارة، إلى أن ما يُعرف بـ”الانحياز التأكيدي”، وهو مفهوم في علم النفس، يعني أننا نُبدي اهتماما أكبر بأي معلومات تؤكد صحة ما نُكِنُه من اعتقادات أو افتراضات مسبقة.
وعند مطالعتنا للموضوعات المكتوبة على شكل قوائم، يساعد هذا المفهوم على جعلنا نشعر بالرضا عن النفس.
فعندما ينقر المرء على الرابط المتعلق بموضوع يتحدث عن أفضل 10 أفلام تعود لثمانينيات القرن العشرين، ربما سيجد أنه لم يسمع على الإطلاق عن فيلم “لايسنس تو درايف” (رخصة للقيادة) الوارد في الموضوع.
لكن ذلك قد لا يزعجه كثيرا، نظرا إلى أن بمقدوره تجاهله بمجرد أن تقع عيناه على أسماء أفلام يعرفها ضمن القائمة؛ مثل فيلم “فريز بوللرز داي أوف” (عطلة فريز بوللر)، أو فيلم “ذا بريكفاست كلَب” (نادي الإفطار).
ويعني تطبيق نظرية “الانحياز التأكيدي” هنا؛ أنك ستبدي اهتماما أكبر بهذين الفيلمين، ما يجعلك تشعر بالرضا عن نفسك لشعورك بأنك شاهدت الكثير من الأعمال المدرجة في القائمة.
9 – توحي هذه الموضوعات بأنها قاطعة ونهائية
من شأن وضع المعلومات في صورة قائمة منحنا انطباعا بأن تلك القائمة تتناول كل الأمور، وتشكل نهاية المطاف فيما يتعلق بالموضوع الذي تتحدث عنه.
ويقلص ذلك من شعورنا بعدم التيقن، ونحن نحب كل ما يمنحنا مظهرا من مظاهر السيطرة في عالم مفعم بالشكوك.
وعلى مر العقود، أظهر الكثير من الدراسات العلمية التي جرت في مجال علم النفس أن لدينا -نحن البشر- رغبة في الشعور بأننا نمسك بزمام الأمور، وبأن قيامنا بذلك يؤدي إلى إشعارنا بالسعادة.
أكثر من ذلك؛ ليس القراء وحدهم يحبون هذا النوع من الموضوعات؛ فالصحفيون بدورهم يحبونها.
فبدلا من الاضطرار إلى صياغة النص بعناية، وترتيب الفقرات بشكل منطقي، يوفر نمط كتابة الموضوعات على شكل قائمة هيكلا سابق التجهيز للكُتاب.
والأفضل من ذلك، أن كُتاب هذا النوع من الموضوعات لا يتعين عليهم التفكير في خاتمة للموضوع، فالقائمة تنتهي ببساطة بآخر نقطة فيها.
المصدر : BBC